زاهي عنيسي: الكاتب الصغير الذي تحدى اضطراب طيف التوحد

حنين جركس

ولد زاهي حسن عنيسي عام 2007  في البرازيل، وهو بكر والديه، من بلدة الغازية في الجنوب اللبناني. مع مرور الأيام لاحظ الأهل أن ولدهم البالغ من العمر عامين، لا يستجيب عند مناداته. لديه ضعف في التواصل البصري والتفاعل مع من حوله، ولديه حساسية مفرطة تجاه الأصوات العالية. شخص الأطباء هذه العوارض بأنها علامات اضطراب طيف التوحد. لتبدأ آنذاك الرحلة.

في مرحلة التعليم الأولى في المدرسة، بدأت المشاكل تبرز بشكل أوضح في سلوكيات زاهي، حيث كان يصيبه الكثير من النوبات لدى سماعه الأصوات العالية، أو إذا طرأ أدنى تغيير على إجراءات اعتادها، استدعت الإدارة والديه للطلب منهم إيجاد الحل. وقال الوالد إن تلك الايام كانت شديدة الصعوبة ووصفها بالمؤلمة لهم ولطفلهم.

مرت الأيام، وكانت المعاناة تزداد يومًا بعد يوم، حيث بحث والده عن أفضل طبيب وأفضل علاج لزاهي هناك، إلا أن كافة الأبواب كانت مغلقة حينها، فقررت العائلة العودة إلى لبنان عام 2014. ما إن وصلوا حتى بدأت رحلة البحث عن مركز مناسب لولدهم، وما إن سمع والده عن مركز للتربية المختصة في بيروت حتى سارع لتسجيله فيه، رغم أنه يبعد عن مكان سكنهم بمعدل ساعة ونصف الساعة تقريبًا. مكث زاهي 4 أعوام في المركز، حيث خضع لعلاجات سلوكية وتربوية وتواصلية وغير ذلك.

وإيمانًا منهم بقضية ابنهما، قرر الوالدان سنة 2018 إنشاء “مركز السفير للتربية المختصة” في منطقة الغازية الجنوبية، وتم نقل زاهي إلى هذا المركز. وبعد عدة أعوام من التأهيل، تم نقله إلى “ثانوية السفير”، حيث تم دمجه في الصف العاشر، وهو اليوم يوازي أصدقاءه في المستوى الأكاديمي، إلا أنه لا يخلو الأمر من صعوبات معينة في بعض المواد، كاللغة العربية والرياضيات، حيث أعطيت له مواد دون مستوى صفه، واكبت إحدى المعلمات زاهي في الصف لحظة بلحظة.

عن أهمية دمج زاهي مع أصدقائه على مقاعد الدراسة، يقول والده حسن: بدأ زاهي يعتمد على نفسه في احتياجاته الشخصية، ويتواصل مع المعلمات وزملائه الطلبة، ويلتزم بالتعليمات التي توجه إليه.

لم يكن حلم الوالدين مقتصرًا على تطوير ولدهم أكاديميًا فقط، بل عملا على اكتشاف مواهبه أيضًا، فاكتشفا حبه وشغفه للغات الأجنبية، وقدرته الإبداعية على كتابة السناريوهات الخيالية، وتقليد الأصوات. لتبدأ إرادة الوالدين رغم كل العقبات والصعاب التي لم تطال معنوياتهم، في العمل على تطويرها.

وبعد رحلة مقاومة استمرت سنين كثيرة، أصبح زاهي ذو الأعوام الستة عشرة، يتقن الإنكليزية والفرنسية والبرازيلية والإسبانية. يقوم بكتابة السيناريوهات، ورسم الكاريكاتورات، ويتحدث بأصواتها التي يفوق عددها الأربعة، ومن ثم يقوم بتصوير المشهد وتحويله إلى فيديو وينشره بنفسه من دون مساعدة أحد.

مؤخرًا، قرر زاهي كتابة روايته الأولى. تقول والدته وهي تسترجع شريط ذكرياتها “في يوم من الأيام، قال لي زاهي أنه يريد أن يكتب كتاب ومن ثم تحويله إلى فيلم وتقديمه ليربح الأوسكار، ومن ثم دخل إلى غرفته وكتب القصة خلال ساعتين”. وبالفعل، تم إطلاق روايته التي كتبها في وقت قياسي باللغة الإنكليزية وبأسلوب مميز مستعينًا بخياله. والتي كانت بفضل ذكائه محل اعجاب الجميع.

قال الأب تلك الكلمات بهدوء: “أطلب من أهالي هؤلاء الملائكة الصغار، أن يصبروا، وأن يؤمنوا بقدرات أولادهم، وأن لا يخجلوا بهم، وأن يرافقوهم حيث ذهبوا، وأن ينسوا أن هناك مجتمعًا يراقبهم أو ينظر إليهم، فما هو أقصى ما يمكن أن يحصل؟ نوبة عصبية في الشارع أو السوبر ماركت؟ فليكن…”.

الأمل في النجاة كان يملأ قلبيْ الوالدين، فأعطاهما الله القدرة على الصمود. فلم يهمهما عواصف قاسية أو بحر هائج. بل واصلا المسير في معركة الحياة بصبر وتفان للوصول بولدهما إلى طريق النجاح والتميز، وذلك بدلًا من أن يلعنا الظروف في خضوع واستسلام.

وفي النهاية يوجد العديد من القصص التي يشهد لها التاريخ بقوة إرادتها من أجل بلوغ القمة، ويُضاف إليها قصة نجاح وصبر كان بطلها زاهي حسن عنيسي الذي أصبح كاتبًا يلمع اسمه بين الكتاب والمؤلفين.