(اختر المقطع الذي تريد سماعه ثم اضغط على استمع)
خطة النقل المشترك.. حلم طويل الأمد
فور وصول هبة الباصات الفرنسية المقدمة إلى الحكومة اللبنانية، في شهر أيار 2022، كشف فريق متخصص من الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين على الباصات الواصلة لتوثيق مدى جهوزيتها لاستخدامها من الركاب المعوقين. وأثبت الكشف أن الباصات تتضمن تجهيزات تسّهل على مستخدمي العكازات والكراسي المدولبة استخدامها، بالإضافة إلى تجهيزات أخرى للأشخاص الصم والمكفوفين.
كان وزير الأشغال العامة والنقل قد استبق وصول الباصات بتصريح، قال فيه إن “فرنسا ستزود لبنان بأعداد متتالية من الباصات، أولها 50 باصا، وهذه الهبة حلقة من حلقات خطة النقل المتكاملة على كامل الأراضي اللبنانية”. وقد دغدغ بتلك العبارة مشاعر أكثر من 15 في المئة من اللبنانيين، فقد انتظر الأشخاص المعوقون طويلًا جدًا خطة النقل المشترك الدامجة تلك، وطالبوا بها منذ عقود. لكن ما الذي حدث خلال الشهور الخمسة عشر الماضية؟
كان من المفترض أن تضاف هذه الباصات الـ 50 إلى 45 أخرى تعود ملكيتها إلى “مصلحة السكك الحديد والنقل المشترك”. وقد أُعدّت خطّة لتشغيل هذه الباصات في بيروت الكبرى، وبين بيروت والشمال والجنوب، بالشراكة مع القطاع الخاص. لكن استمر الجدل نحو خمسة أشهر إن كانت هذه الباصات تخضع للرسوم الجمركية ولضريبة القيمة المضافة أم أن الهبة يفترض أن تكون معفاة… ثم تبين أنها معفاة، فبدأ جدل آخر حيث تبين أن تسجيل الباصات يتطلب تأمينًا إلزاميًا لا قدرة مادية لمصلحة السكك الحديد على تغطيته، ما استدعى طلب هبة أخرى هي عبارة عبارة عن خمسين بوليصة تأمين إلزامي. ولكن الباصات التي حظيت بالتأمين لم تُسجّل لأن مصلحة التسجيل “النافعة” مغلقة بسبب إضراب الموظفين وقضايا الفساد فيها. وبعدما سجلت عبر التواصل بين وزيري النقل والداخلية، تبين أن لا قدرة لوزارة الأشغال العامة والنقل على تشغيل هذه الباصات أصلًا. والحجة هذه المرة أن لا سائقين لديها والتوظيف في القطاع العام ممنوع. فكان الحل السحري، كما في كل مرة تعجز فيها الدولة، عبر الاستعانة بالقطاع الخاص لتأمين السائقين وتشغيل الباصات. لكن لم يتجاوب القطاع الخاص مع مناقصتين أطلقتهما الوزارة. وجدهما خاسرتين وهدفه الوحيد، أي الربح، لن يتحقق في ظل الانهيار الاقتصادي.
الحكاية باختصار إن رصدنا كل ما جاء على لسان وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية والمدير العام لمصلحة السكك الحديد والنقل المشترك زياد نصر (حتى آب 2023): ترغيب وقبول هبة، ثم تسويف ودهاليز ومماطلة وإعلان عن العجز. الأمر الوحيد الذي وفرته الهبة الفرنسية خلال الشهور الخمسة عشر الماضية هو ظهورات إعلامية متكررة للرجلين كانت عبارة عن جعجعة من دون طحين.
واليوم، باتت تظهر دعوات من هنا وهناك إلى تسليم هذه الباصات إلى البلديات لتشغلها على طريقتها، أو تسليمها بالكامل إلى القطاع الخاص، وغيرها من الأمور. إلا أن ما يتخوف منه الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين أن يعمد الطرف المشغل للباصات أيا كان إلى إزالة التجهيزات الهندسية التي تسهل عملية استخدامها من الراكبين المعوقين، وللناشطين المعوقين أسبابهم في التعبير عن تخوفهم فلديهم تجربة مرّة مع باصات النقل المشترك التي استلمتها الحكومة اللبنانية مطلع التسعينيات مجهزة للأشخاص المعوقين لكن بقدرة قادر اختفت التجهيزات، ولم تعد الوزارة آنذاك على السمع.
أما الأسف الكبير فإن “خطة النقل المتكاملة على كامل الأراضي اللبنانية” التي وعد بها الوزير، ووعد بها آخرون قبله، فهي لم تتحول إلى حبر على ورق حتى، بل بقيت مجرد حلم طويل الأمد للأشخاص المعوقين والمسنين والنساء الحوامل والأهل الذين ينقلون مع أطفالهم بعربات وذوي الإعاقات المؤقتة.