(اختر المقطع الذي تريد سماعه ثم اضغط على استمع)
لماذا تغيب فئة الأشخاص المعوقين عن رؤية وزارة الصحة؟
بعد أكثر من عقدين على صدور القانون 220/2000 الخاص بحقوق الأشخاص المعوقين في لبنان، يقتضي الحصول على أي حق صحي بديهي لهذه الفئة من المواطنين مطالبات جمة وتواصلا مباشرًا من منظمات الأشخاص المعوقين مع الوزارة وصولًا إلى التواصل المباشر مع الوزير نفسه. لماذا؟ أين تكمن المشكلة؟ وما هو السبيل إلى حلها؟
لم تنظر “رؤية 2030” الصادرة عن وزارة الصحة العامة إلى الأشخاص المعوقين كفئة لديها احتياجاتها الصحية الإضافية لتأتي تلبيتها ضمن أولوياتها، ولم يرد ذكرهم إلا في خانة “التوعية الصحية والحد من الأمراض”، وبروتوكول دعم الرعاية الأولية الممول من الجهات المانحة الذي وقعته الوزارة سنة 2021، فخلطت فيه بين الأمراض المعدية والإعاقة والعجز…، كما أن الملخص التنفيذي لهذه الاستراتيجية الوطنية لم يقارب قضايا الإعاقة بأي شكل من الأشكال .
في الواقع، لا ينفصل الأشخاص المعوقون في لبنان عن المواطنين اللبنانيين بشكل عام، على الرغم من أن التمييز الإيجابي تجاههم منصوص عليه في القوانين المرعية الإجراء، لاسيما القانون 220/2000 الخاص بحقوقهم، وأن الاحتياجات الإضافية لديهم تقتضي تقديمات صحية أكثر من غيرهم من المواطنين. ويظهر أن 23 عامًا مرّت على صدور التشريع المذكور لم تحسّن كثيرًا من مستوى التقديمات الصحية المخصصة للأشخاص المعوقين. ونقف هنا على إشكالية مفهومية، وهي إن التقديمات الصحية من وزارة الصحة العامة إلى فئة المواطنين المعوقين سواء أكانت بشكل مباشر أو عبر الصناديق الضامنة والقطاع الخاص والجمعيات الأهلية، تجري تحت سقف النموذجين الطبي – الاكلينيكي والخيري – الرعوي في التعامل مع المواطن المعوق، وهي تعود إلى رؤية عفا عنها الزمن حصرت الإعاقة بتعريف منظمة الصحة العالمية للعام 1980.
أما ما يسعى إليه الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيًا فعنوانه “الحماية الاجتماعية الصحية للأشخاص المعوقين” وهو من المفاهيم المتقدمة التي تبنتها الاتفاقية الدولية. وتتبنى هذه الرؤية النموذج الاجتماعي في التعامل مع قضايا الإعاقة، حيث يتحرر المواطن المعوق من القيود للحصول على التغطية الصحية الشاملة التي تعتبر من بديهيات حقوقه، والتي يتسبب عدم حصوله عليها في عزله عن المجتمع وحرمانه من حقوق أخرى كالوصول والتعلم والعمل والمشاركة في الحياة العامة. فطالما أن النموذج الاجتماعي يرى أن الإعاقة ليست في الشخص المعوق نفسه بل في المجتمع الذي يضع العوائق أمامه فيعيقه، فإن تلقي الخدمة الصحية ضروري، لكنه ليس غاية بحد ذاته، وعلى السلطة التنفيذية تغطية كامل الملف الصحي للشخص المعوق، بموجب مستند وحيد وهو بطاقة المعوق الشخصية الصادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية، كون هذه التغطية من الضروريات البديهية التي ينبغي توفيرها لاندماج الشخص المعوق في مجتمعه والاستثمار في طاقاته كأي مواطن آخر، وهذا من السمات الرئيسة للحماية الاجتماعية الصحية.
بات واضحًا أن مسألة الملف الصحي لا تتعلق بصدور قرار وزاري أو تعميم يقضي بتقديم هذه الخدمة أو تلك من هذه الجهة الضامنة أو تلك، واجتماع لجنة أو عدم اجتماعها. فتقديم الخدمات بالتجزئة في واقع مشوب بالفساد والمحسوبيات أقصى ما يمكن أن يصل إليه هو تقديم بعض الخدمات لقسم من الأشخاص المعوقين ضمن رؤية ضيقة عفا عليها الزمن قوامها النموذج الطبي والنموذج الخيري في التعامل مع قضايا الإعاقة. ويقتضي الارتقاء إلى مستوى الاتفاقية الدولية حول حقوق الأشخاص المعوقين (2006)، والارتقاء إلى مستوى عمل منظمات الأشخاص المعوقين في السعي مع الشركاء المحليين والدوليين نحو “الحماية الاجتماعية الصحية للأشخاص المعوقين في لبنان”، حيث “ينبغي أن يتوافق إطار الحماية الاجتماعية مع التزامات لبنان المتعلقة بحقوق الإنسان وخطة التنمية المستدامة لعام 2030″، وعلى وجه الخصوص “استحداث نظم وتدابير حماية اجتماعية ملائمة على الصعيد الوطني للجميع ووضع حدود دنيا لها”.
إن السبيل الوحيد إلى ذلك هو اعتماد النموذج الاجتماعي في التعامل مع قضايا الأشخاص المعوقين تحت مظلة حقوق الإنسان، وبما ضمنته الشرائع الدولية، وذلك عبر تغطية الحكومة الملف الصحي للأشخاص المعوقين بشكل كامل بموجب بطاقة الإعاقة الصادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية كمستند وحيد. وتمهيدًا لذلك يجب أن تبدأ الوزارات المعنية بنفسها، وذلك عبر إدراج المعايير الدامجة في هيكلياتها وبنيتها وإداراتها ومشاريعها وقراراتها، لكون فاقد الشيء لا يعطيه.