سيلفانا اللقيس المرأة الصلبة الوفية للقسم

ËÞÇÝÉ/ äÏæÉ Úä ÇáÇÚáÇã Ýí ÇáÈíÇá (Úáí áãÚ)

سعدى علوه | 2018-05-04

بعدما أدلت عضوة هيئة الإشراف على الانتخابات سيلفانا اللقيس باستقالتها في مكتب المفكرة القانونية في بدارو، تبرعتُ بالإتيان بسيارتها لتقودها وتغادر إلى مكتبها في اتحاد المقعدين اللبنانيين. تنتمي سيارة سيلفانا إلى جيل الحرب من السيارات. فيها من الأصوات و”الحرتقات” الكثير مما يلهيك عن سيرها غير المتوازن لدرجة تتساءل هل هذه الآلية صالحة للسير حقاً؟ لحظات وتضع سيلفانا المنحدر الخشبي الذي تحتفظ به وتثبته بين كرسيها المتحرك والسيارة، تستند بيديها إلى مقود سيارتها التي تقودها بنفسها، وتسحب جسدها المُقعد إلى المَقعد وتنطلق.

“بعد تعييني في هيئة الإشراف على الإنتخابات، أدّيت قسما بأن أقوم بمهامي في الهيئة بأمانة وتجرد وإخلاص واستقلال وأحرص على التقيد تقيدا مطلقا بالقوانين والأنظمة ولا سيما تلك التي ترعى الانتخابات، تأمينا لحريتها ونزاهتها وشفافيتها”. علقت هذه العبارة في رأس من أحاطوا باللقيس خلال تلاوتها بيان استقالتها. كم مواطن ومسؤول يستقيل من مهمة لا تتعدى الأشهر القليلة ينال خلالها تعويضا ماليا يصل إلى تسعين مليون ليرة لبنانية؟ ومع المال، يتخلى عن جاه المركز والإمتيازات؟ المراكز التي عادة ما تشكل قاعدة للانطلاق إلى مهام رسمية أخرى عن طريق إثبات الولاء لمن اختارهم وذكّاهم للمنصب. لكنها سيلفانا اللقيس، المرأة الجميلة التي لا تشبه إلا نفسها: “لن أبقى شاهدة زور”، قالت لتبقى وفية لصفتها التمثيلية للمجتمع المدني في الهيئة من جهة، ولأخلاقها وأدائها المعروف بمصداقيتها من جهة ثانية، والأهم عرّت الهيئة من المهمة المزعومة المناطة بها، وهي الإشراف على شفافية الانتخابات، ومنح شهادة حسن سلوك لكل الذين تجاوزوا القانون، وعلى رأسهم قوى السلطة ومرشحيها.

لم تكن عضوية الهيئة مسألة عابرة بالنسبة لسيلفانا لتتخلى عنها ببساطة. نستدل على ذلك من هاتف “ماما حياة” الذي رنّ في جبيل لمجرد أن أنهت سليفانا قسم اليمين في بعبدا. قالت لها: “ماما حياة”، ودموعها تنساب من عينيها “كل شي عملته بحياتي بفضلك”. القسم نفسه الذي أثر بسيلفانا وهي تتعهد بالقيام بمهمتها الوطنية ب “تجرد وإخلاص واستقلالية”، هو الذي دفعها إلى الاستقالة.

ولكن باستقالتها لم تأت سيلفانا بجديد. تبدو هذه المرأة وكأنها ولدت رائدة منذ اللحظة التي أصيبت فيها بشلل الأطفال في عمر السنة والنصف. “ماما حياة” التي حملتها ووالدها غازي اللقيس إلى كل أطباء لبنان ومشافيه علها تعود إلى حركتها السابقة، بثت فيها روح المقاومة والعناد. لكن سيلفانا تفوقت على معلمتها في الكفاح وعاندتها لتستبدل عربة الأطفال بكرسي متحرك مستقل تخرج به إلى الحياة.

في زقاق المنزل في جبيل كانت، ومن على كرسيها، تقود ألعاب الصغار رفاقها. تضع الخطط والمقالب الشقية ولا تعود إلى البيت إلا وقد انتهت من حل مشاكل أقرانها لتصير “مختارة” الحي.

لم يقف رفض مدرسة منطقتها استكمال تعليمها فيها، بذريعة التخوف من إزعاجها من قبل التلامذة، أمام شغفها بالتعليم. وعبر سنوات طويلة عاشتها بعيدا عن أهلها في مؤسسة متخصصة، ذاقت سيلفانا طعم العزل الذي عانى وما زال يعاني منه الأشخاص ذوو الإعاقة بسبب غياب الهندسة الدامجة على الصعد كافة.

وكانت محطة عمليتها الجراحية في تشيكيا مدخلاً لاكتشاف موهبتها في سرعة تعلم اللغات والتقاط اللهجات الصعبة لتعود من الاغتراب بإجازة في الترجمة، بعدما حصلت لتفوقها على منحة دراسية.

عادت سيلفانا لتصدم من جديد بواقع التمييز السلبي ضد ذوي الإعاقة في العمل أيضاً. لكنها لم تستسلم وقررت الاستقلال عن عائلتها منتقلة للتطوع في فرع اتحاد المقعدين في صيدا. مع تطوعها في الاتحاد، حصلت سيلفانا على الدخل الأول في حياتها إذ عملت أيضاً مع جمعية النداء الإنساني مقابل أجر مكنها من شراء سيارة رينو 11 كانت بوابة جديدة إلى استقلالية التنقل والحركة.

سيرة سيلفانا اللقيس في الاتحاد وتطويره أشهر من نار على علم وإن كانت هي تتحدث دائما عن إنجازات فريق عمل الإتحاد مع رفاق درب رحلوا ومع آخرين ما زالوا وإياها قيد النضال. هذه المرأة التي كان لها فضل كبير في إقرار قانون المعوقين 220/2000 وتحويل قضيتهم إلى قضية رأي عام، كانت رائدة أيضاً في كل القضايا الوطنية من السلم الأهلي إلى الحقوق المدنية إلى أوجه النضال كافة. كانت وما زالت في الصفوف الأولى للاعتصامات والتظاهرات والاحتجاجات المحقة، ولم تبدل تبديلا.

ليست استقالة سيلفانا من هيئة الإشراف على الانتخابات، على أهميتها ورمزيتها، إلا محطة في سيرة نضالية عريقة لن تتوقف طالما في هامة هذه المرأة الصلبة نفس يدخل ويخرج، بينما هي تستمر في إعطائنا الدرس تلو الآخر في النزاهة والصمود والحياة، والأهم في سبل بناء وطن دامج، دامج لأنه يحتاج إلى كل مواطنيه.

نشر هذا المقال في العدد الخاص بالانتخابات،