كتبت كريستي قهوجي في جريدة الأخبار
كانون الثاني 2015
يمكن القول إن الدعم الرسمي لذوي الاحتياجات الخاصة في لبنان شبه غائب إلى حد كبير، في بلد تتفاقم فيه أزماته الاقتصادية والاجتماعية والأمنية يوماً بعد يوم. فلبنان الذي يشكو أصلاً من مشكلة بطالة متزايدة في سوقه المحلية، يجد ذوو الاحتياجات الخاصة فيه أنفسهم يعانون أكثر من أي وقت مضى من إيجاد فرص العمل الملائمة، وقبول المؤسسات والشركات بتوظيفهم.
حبر على ورق
في عام 2000 صدر قانون خاص بذوي الاحتياجات الخاصة في لبنان حمل الرقم 220/2000، ومنحهم مجموعة من الحقوق كالحصول على بيئة مؤهلة ومسكن وتعليم ورياضة، إضافة الى الحق بالحصول على وظيفة في القطاعين العام والخاص. وتكفل المادة 68 من القانون الحق للمعوق كما لسائر أفراد المجتمع في العمل والتوظيف، كما تلتزم الدولة العمل على مساعدة الأشخاص المعوقين على الدخول في سوق العمل ضمن مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص. وتذكر المادة 69 منه أن الإعاقة لا تشكل في حد ذاتها حائلاً دون الترشيح لأي عمل أو وظيفة. وذكر القانون أن للمجلس الوطني للاستخدام دوراً في تأهيل وتوجيه ذوي الاحتياجات الخاصة لدخول سوق العمل.
إلى ذلك يفرض القانون في المادة 73 منه على القطاع العام تخصيص وظائف للأشخاص المعوقين بنسبة ثلاثة في المئة على الأقل من العدد الإجمالي للفئات والوظائف جميعها. كما تلزم المادة 74 أرباب العمل في القطاع الخاص التي لا يقل عدد الأجراء فيها عن 30، ولا يزيد على 60 باستخدام أجير واحد من المعوقين تتوفر فيه المؤهلات المطلوبة.
أما إذا فاق عدد الأجراء في المؤسسة 60 أجيراً، فيلزم صاحب العمل أو المؤسسة باستخدام معوقين بنسبة ثلاثة في المئة على الأقل من أجرائها تتوفر فيهم المؤهلات المطلوبة. كما يلزم صاحب كل عمل أو مؤسسة لا ينفذ الموجب المترتب عليه خلال مهلة سنة من إقرار هذا القانون، بدفع مبلغ سنوي قدره ضعفي الحد الأدنى للأجور عن كل معوق غير مستخدم، يسدد إلى وزارة العمل، إلى أن يسوي صاحب العمل أو المؤسسة وضعه.
أفقر الفقراء
هذا من الناحية النظرية، أما عملياً، “فوضع أصحاب الاحتياجات الخاصة في لبنان حالياً صعب جداً،” كما تؤكد رئيسة الاتحاد اللبناني للمعوّقين سيلفانا اللقيس، “لأنّ معظم بنود القانون 220/2000 الخاص بحقوق المعوقين غير مطبق، وهو كان من المفترض أن يكرّس حقهم في الاندماج بالمرافق. إنهم يصنفون من أفقر الفقراء في البلد، و83% من المعوقين لا يعملون، مع العلم بأنهم قادرون على العمل في مراكز عديدة”. وتشير الى “أن المعوقين في لبنان لا يزالون عاجزين عن استخدام النقل العام وحتى الطرقات، الأمر الذي يدل على صعوبة أوضاعهم اليومية. لبنان يشهد تكريساً للنمط الرعائي الذي يرتكز على الإحسان والشفقة والوصاية، وهناك تجاهل لمسألة الارتكاز على الحقوق والمشاركة. فحتى اليوم، لم يوقع لبنان على الاتفاقية الدولية التي صدرت عام 2007 لذوي الاحتياجات الخاصة والتي تساهم بعملية دمجهم في المجتمع وسوق العمل”.
وتكشف اللقيس أنه عند صدور القانون عام 2000، نشر رئيس الحكومة آنذاك تعاميم للبدء بتنفيذه، ودخل حيّز التنفيذ لمدة ثلاثة أشهر وتوقف. وتوضح أن آليته تقول إنه يجب على القطاع الخاص التقدم من المؤسسة الوطنية للاستخدام بطلب توظيف موظفين معوقين، على أن يتم إثبات ذلك لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي يجب ألا يمنح براءة ذمة مالية للشركة المعنية إذا لم تقدم الإثباتات حول عملية التوظيف، أو أنها قدمت طلباً للمؤسسة الوطنية للاستخدام ولم تحصل على موظف، فعندها يعفى صاحب الشركة لسنة إذا لم يكن هو المسؤول عن التأخير، أما إذا تبيّن أنه المسؤول فعليه أن يدفع ضعفي الحد الأدنى كضريبة عن كل شخص لا يوظف في القطاع الخاص”. وحول آلية التطبيق، تقول إن خلافاً حاداً وقع بين وزارتي المال والعمل حول من سيفتح الصندوق الخاص بدفع الضريبة من قبل الشركات بحال عدم التوظيف، وبالتالي لم يفتح هذا الصندوق بسبب الخلاف، علماً بأن القانون يقول إنه يجب أن يكون في وزارة العمل. ونتيجة لذلك، توقف تطبيق الكوتا. وأدى ذلك إلى غياب الخطة الوطنية لتطبيق هذا القانون.
القطاع العام
وعلى صعيد القطاع العام، تشدد اللقيس على وجود ممارسات سلبية جداً من قبل الدولة في هذا الإطار. “على سبيل المثال، تقدم أحد ذوي الاحتياجات الخاصة لوظيفة أمام مجلس الخدمة المدنية، إلا أن اللجنة الطبية الفاحصة قيّمته بطريقة سيئة لا تمتّ الى الحقيقة بصلة عبر منعه من التقدم الى المباراة، الأمر الذي يحرم حق الشخص من ممارسة عمله رغم أن لديه قدرات ويحمل شهادة جامعية”. وتوضح: “مبادرات التوظيف تبقى خجولة جداً، فأكبر مبادرة لتوظيف ذوي الاحتياجات الخاصة في لبنان كانت قبل صدور القانون عندما قام الوزير الراحل إيلي حبيقة بإدخال مئة شخص الى شركة الكهرباء لتوظيفهم، كما أن هناك موظفين في مصرف لبنان، لكن النسبة قليلة جداً في الوزارات الأخرى حيث إن هناك بعض الاشخاص، ولا سيما في وزارة الشؤون الاجتماعية”، معتبرة “أن القطاع العام أكبر مخالف لموضوع الكوتا ولموضوع التجهيز كحد أدنى للمعايير”.
وتختم اللقيس بالتأكيد على أن لبنان وهو على عتبة إقرار أهداف الألفية لـ 15 سنة مقبلة، والانشغال بتحديد أهداف التنمية للمرحلة المقبلة، وجب أن يكون من الأولويات رفع جميع أنواع التمييز عن كل الفئات بمن فيهم الأشخاص المعوقون اللبنانيون وغير اللبنانيين الذين عاشوا في لبنان منذ سنوات طويلة مثل الفلسطينيين ومكتومي القيد.
السلك الأمني
حول التوظيف في الأجهزة الأمنية اللبنانية، تشير اللقيس الى اعتقادها بعدم وجود توظيفات لذوي الاحتياجات الخاصة فيها، وإن وجدت فهي محدودة بشكل كبير. وفي هذا الإطار، يؤكد رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي المقدّم جوزيف مسلّم أن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي ملتزمة بكل القوانين التي تصدر عن مجلس النواب، وخاصة القوانين الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة، لكنه في المقابل ينفي علمه بتقدم أي من الأشخاص المعوقين الى وظائف في قوى الأمن الداخلي لأنها مرتبطة بأمور عسكرية خاصة.
هذا الأمر تنفيه الناشطة في مجال ذوي الاحتياجات الخاصة مزين الصباغ، التي تؤكد أنها مرت شخصياً بتجربة محبطة حين قررت التقدم بعمل لدى “الأمن العام”، إذ تم رفض طلبها باعتبارها من ذوي الاحتياجات الخاصة، على الرغم من أن ذلك لم يكن مذكوراً في شروط التقديم، كما تؤكد.
لا التزام
وفي السياق عينه، تقول رئيسة مصلحة شؤون المعوقين في وزارة الشؤون الاجتماعية ماري الحاج إن موضوع الكوتا الخاصة بوظائف الأشخاص المعوّقين أمر لا يلتزم به أحد في القطاعين العام والخاص. فالكوتا تقضي بأن يلتزم أصحاب العمل بالتوظيف من ذوي الاحتياجات الخاصة في مؤسساتهم، وإذا تخلفوا عن ذلك يقومون بدفع غرامات مالية.
وتوضح أن مجلس الخدمة المدنية كان قد اتخذ قراراً بتوظيف من ينجح من ذوي الاحتياجات الخاصة ضمن مباراة التوظيف، ولافتة الى أن هناك نسبة ضئيلة جداً من الموظفين من الأشخاص المعوقين يشغلون وظائف عامة في وزارة المال ووزارة الشؤون الاجتماعية، على الرغم من أن جلهم من ذوي الكفاءات العالية، نافية علمها بوجود موظفين من الفئة نفسها داخل أجهزة الدولة الأمنية.