(اختر المقطع الذي تريد سماعه ثم اضغط على استمع)
في زمن الاتفاقية الدولية حول حقوق الأشخاص المعوقين ، نخطو نحو الدمج عندما ننفذ فكرة تعديل ما هو قائم حالياً في مجتمعنا، حيث العزل مستشر بحق الأشخاص المعوقين، من جهة، وحيث يمارس التمييز بحقهم مبدئياً، لعدم توفر التوعية الكافية لدى فئات المجتمع وقطاعاته، من جهة أخرى. أما فكرة صنع قرار دامج، فبإمكان فئات مجتمعية الوصول إليها، عبر جملة من الخطوات، أثبتت فعالياتها إنشاءً، وصياغة، وتفاعلاً، وضغطاً، وتطبيقاً.
تمثل منظمات الأشخاص المعوقين، الجهة الأكثر قدرة على التعبير عن حقوق وتطلعات وقدرات الأشخاص المعوقين ومناصرة حقوقهم، ومتابعة المطالب وإنشاء الملفات، والدفع باتجاه تطبيق القوانين المرعية الإجراء، أو تلك المقرّة مع وقف التنفيذ.
وتلك المنظمات، جزء من المنظمات المدنية الحقوقية، التي هي بدورها جزء من مؤسسات المجتمع المدني، بتعريفها الأوسع. لكن تلك منظمات الأشخاص المعوقين، لا تتمكن في معظم الأحيان، من العمل وحيدة لتطبيق حق معين، أو لتنفيذ بند معين من قانون حقوق الأشخاص المعوقين.
فعلى الرغم من كونها تمتلك القدرة على التعبير عن الحاجات والقدرات، وبلورة عدد من آليات العمل، وتنظيم التحركات المطلبية الهادفة، إلا أنها تحتاج إلى التأثير في الفضاء المدني الواسع، كي يتبنى الحقوق المنصوص عليها من جهة، وكي يتفاعل مع الحملات المطلبية ويدرج حقوق الأشخاص المعوقين كجزء لا يتجزأ من أجندته التنموية.
ونحن أمام إشكالية تتمثل ببنية “المجتمع المدني” في البلدان العربية، وإمكانيات التلاقي والافتراق بين مكوناته، في ظل عدم تلاقي الرؤى بشأن سعة مفهوم الدمج (وفق النموذج الاجتماعي)، وإمكانيات تطبيقه، في ظل الصراع القائم مع العزل كمنهج متبع، ومدعوم مالياً من قبل الدولة (وفق النموذجين الطبي والرعوي) . بالإضافة إلى كيفية تفاعل المنظمات والجمعيات، في ما بينها، في ظل ضعف التشبيك من جهة، وكيفية طرح أفكارها وبلورتها ضمن آليات عمل محددة، وصولاً إلى إستراتيجية وطنية ، من جهة أخرى.
وعلى الرغم من ذلك، نجد أن منظمات الأشخاص المعوقين، تسعى دائماً إلى إشراك الأشخاص المعوقين أنفسهم، والمنظمات الرديفة الأخرى، ومؤسسات المجتمع المدني، ومنها الجمعيات الأهلية والمؤسسات التي تعنى بالأشخاص المعوقين، في محاولات لصناعة قرارات تصب في خانة خدمة أهداف الدمج الجزئية أو الكلية، سواء من أجل حل مشكلة تواجه شخصاً ما، أو على صعيد بناء خطة وطنية دامجة. ويعني ذلك أن المبادرة دائما تنطلق من منظمات الأشخاص المعوقين، أي من الأشخاص المعوقين أنفسهم بعد تسلحهم بالمعرفة الكافية، والتوعية الملائمة، وآليات العمل المفضية إلى الإفادة من أوسع مروحة من الدعم المدني.
وعليه، فإن مؤسسات المجتمع المدني، بما فيها منظمات الأشخاص المعوقين، تغدو من المساهمين الأساسيين في تطوير وإرساء الديموقراطية وحقوق الإنسان.
كما أنّ بإمكان مؤسسات المجتمع المدني مدّ عملية صنع القرار بالمعرفة والخبرة المستقلة. والإقرار بذلك أدى بالحكومات الوطنية والإقليمية والمحلية، في البلدان المتقدمة، وكذلك المؤسسات الدولية، إلى الاستفادة من خبرات مؤسسات المجتمع المدني ذات الصلة وكفاءاتها، من أجل تعزيز وضع السياسات وتنفيذها.
المسار
لم تتخلف منظمات الأشخاص المعوقين في لبنان عن اللحاق بركب التطوير الدولي لقضايا الإعاقة، سواء على مستوى المصطلحات والنماذج أو على مستوى التشريعات، وكانت تواكب التوجه الدولي نحو النموذج الاجتماعي من جهة، وتعمل على إعداد مسودات لتشريع متكامل يتضمن الحقوق، إلا أن هذا المسار لم يرافقه مسار رسمي مواز، أي أن الحكومات المتعاقبة بقيت تدعم النموذجين الطبي والرعوي – الخيري على حساب الانتقال نحو النموذج الاجتماعي.
ولا يزال عدد كبير من الأفراد المعوقين منضوين في إطار المؤسسات الأهلية أو الخيرية أو الربحية العازلة، التي تحارب النموذج الاجتماعي، وتسعى إلى تكريس النموذج الطبي أو الرعوي. فمن السهل ملاحظة أشخاص معوقين لا يتبنون قضايا الإعاقة، وفي المقابل نجد من يتبناها ويسعى إلى الدمج الاقتصادي – الاجتماعي. كما نجد أفراداً غير معوقين يتبنون قضايا الإعاقة من منطلقات حقوقية مطلبية. وهنا تتشكل القوة في الأشخاص المعوقين وغير المعوقين الذين يتبنون قضايا الإعاقة، في مقابل أشخاص معوقين وغير معوقين يستفيدون من استمرار العزل.
وتفترض منظمات الأشخاص المعوقين أن أي قرار دامج، هو عبارة عن سطح طاولة ترفعها ثلاث أرجل. والأرجل الرافعة للطاولة هي منظمات الأشخاص المعوقين، وصانعو القرار الوطني والمحلي، وقطاع الإعلام. فتلك العناصر الثلاثة هي العناصر الضرورية والكافية ليس فقط لإنتاج قرار دامج، بل لاستمراره وديمومته أيضاً.